Documentos de Académico
Documentos de Profesional
Documentos de Cultura
بغير حساب
إعداد
جنات عبد العزيز دنيا
1
الذين يدخلون الجنة بغير حساب
فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال ((:يدخل الجنة من أمتى
زمرة هم سبعون ألفا تضئ وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر))
وفى الحديث الذى رواه أحمد والبيهقى بسند صحيح بشواهده كما فى
السلسلة الصحيحة من حديث أبى هريرة أن النبى قال :
((قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :وعدني ربي سبحانه أن يدخل
الجنة من أمتي سبعين ألفا ل حساب عليهم ول عذاب مع كل ألف
سبعون ألفا وثلث حثيات من حثيات ربي عز وجل )) .
معنى حثيات مأخوذ من الحثي ،وهو جمع الشيء بالكفين ،ومنه حثي
التراب ،أي جمعه بالكفين وإرساله .
2
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :وإن السبعين ألفا الول
يشفعهم ال فى آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم ،وإنى لرجو أن تكون أمتى
أدنى الحثوات الواخر )).
عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :قال رسول ال صلي ال عليه
وسلم (( :عرضت علي المم - ،فى رواية فى سنن الترمذى بسند حسن
أن هذا العرض كان ليلة السراء والمعراج -فرأيت النبي ومعه
الرهيط ،والنبي ومعه الرجل والرجلن ،والنبي وليس معه أحد وبينما
أنا كذلك إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ،فقيل لي:هذا موسى
وقومه ،ولكن انظر إلى الفق ،فنظرت فإذا سواد عظيم ،فقيل لي :انظر
إلى الفق الخر ،فإذا سواد عظيم ،فقيل لي هذه أمتك ،ومعهم سبعون
ألف يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب)) ثم نهض فدخل منزله،
3
فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب،
فقال بعضهم :فلعلهم الذين صحبوا رسول ال صلي ال عليه وسلم،
وقال بعضهم :فلعلهم الذين ولدوا في السلم ،فلم يشركوا بال شيئا –
وذكروا أشياء -فخرج عليهم رسول ال صلي ال عليه وسلم فقال:
(( ما الذي تخوضون فيه؟ )) فأخبروه فقال (( :هم الذين ل يسترقون
ول يكتوون ول يتطيرون ،وعلى ربهم يتوكلون )) متفق عليه .
فقام عكاشة بن محصن فقال ،أدع ال أن يجعلني منهم ،فقال((:أنت
منهم )) ثم قام رجل آخر فقال :أدع ال أن يجعلني منهم فقال (( :سبقك
بها عكاشة)) متفق عليه.
شرح الحديث (( :الرهيط)) بضم الراء :تصغير رهط ،وهم دون عشرة
أنفس (( .والفق)) :الناحية والجانب (( .وعكاشة)) بضم العين وتشديد
الكاف وبتخفيفها والتشديد افصح.
4
هذا الحديث العظيم أخبر فيه النبي صلي ال عليه وسلم أن المم
عرضت عليه ،أي :أُرِى المم عليه الصلة والسلم وأنبياءهم :فرأى
النبي ومعه الرهيط أي :معه الرهط القليل ،وهو العدد ما بين الثلثة إلى
العشرة .والنبي ومعه الرجل والرجلن ،والنبي وليس معه أحد .
أي :إن النبياء -عليهم الصلة والسلم -ليسوا كلهم قد أطاعهم
قومهم ،بل بعضهم لم يطعه أحد من قومهم ،وبعضهم أطاعه الرهط ،
وبعضهم أطاعه الرجل والرجلن ،وانظر إن نوحا عليه الصلة والسلم
مكث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما ،يذكرهم بال ،ويدعوهم إلى
ال ،قال ال تعالىَ { :ومَا آ َمنَ مَ َعهُ إِلاّ قَلِيلٌ} (هود :من الية )40كل
هذه المدة ولم يلق منهم قبول ،بل ول سلم من شرهم ،قال نوح:
شوْا
عوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ َلهُمْ جَعَلُوا أَصَابِ َعهُمْ فِي آذَا ِنهِمْ وَاسْتَ ْغ َ
{ وَإِنّي كُلّمَا َد َ
ثِيَا َبهُمْ وَأَصَرّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} (نوح ،)7:وكانوا يمرون به
ويسخرون منه.
5
يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :رفع لي سواد)) أي :بشر
كثير فيهم جهمة من كثرتهم ((فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى
وقومه)) لأن موسى من أكثر النبياء أتباعا ،بُعث في بني إسرائيل،
وأنزل ال عليه التوراة التي هي أم الكتب السرائيلية.
قال (( :ثم قيل لي أنظر! فنظرت إلى الفق فإذا سواد عظيم -وفي لفظ:
قد سد الفق -فقيل :انظر الفق الثاني ! فنظرت إليه فإذا سواد عظيم،
فقيل لي هذه أمتك)) فالرسول صلي ال عليه وسلم أكثر النبياء تابعا،
لنه منذ بعث إلى يوم القيامة والناس يتبعونه ،صلوات ال وسلمه
عليه ،فكان أكثر النبياء تابعا ،قد ملأ أتباعه ما بين الفقين (( .ومعهم
سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب))أي :مع هذه المة
سبعون ألفا يدخلون الجنة ،ل يحاسبون ،ول يعذبون ،من الموقف إلى
الجنة بدون حساب ول عذاب! اللهم اجعلنا منهم -وقد ورد إن مع كل
واحد من السبعين ألف سبعين ألفا أيضا .ثم نهض فدخل منزله
6
فخاض الناس في أولئك ...وكل أتى بما يظن ،فخرج عليهم النبي صلي
ال عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فأخبروه فقال صلي ال عليه
وسلم (( :هم الذين ل يرقون ول يسترقون ول يكتوون ول يتطيرون
وعلي ربهم يتوكلون)) هذا لفظ مسلم وفيه (( :ل يرقون)).
والمؤلف رحمه ال قال :إنه متفق عليه ،وكان ينبغي أن يبين أن هذا
اللفظ لفظ مسلم فقط دون رواية البخاري - ،الكلم لفضيلة الشيخ
العثيمين فى شرحه -وذلك إن قوله (( :ل يرقون)) كلمة غير صحيحة
،ول تصح عن النبي علبه الصلة والسلم ،لأن معني (( ل يرقون))
أي ل يقرؤون علي المرضي ،وهذا باطل ،فإن الرسول عليه الصلة
والسلم كان يرقي المرضي .وأيضا القراءة علي المرضي إحسان،
فكيف يكون انتفاؤها سببا لدخول الجنة بغير حساب ول عذاب.
فالمهم إن هذه اللفظة لفظة شاذة وخطأ ل يجوز اعتمادها،
7
والصواب (( :هم الذين ل يسترقون)) أي :ل يطلبون من أحد أن يقرا
عليهم إذا أصابهم شئ ،لأنهم معتمدون علي ال ،ولأن الطلب فيه شئ
من الذل ،لنه سؤال الغير ،فربما تحرجه ول يريد أن يقرأ ،وربما إذا
قرأ عليك ل يبرأ المرض فتتهمه ،وما أشبه ذلك ،لهذا قال ل يسترقون.
وقوله (( :ول يكتوون)) يعني :ل يطلبون من أحد أن يكويهم إذا
مرضوا ،لأن الكي عذاب بالنار ،ل يلجا إليه إل عند الحاجة.
وقوله (( :ول يتطيرون)) يعني :ل يتشاءمون ل بمرئي ،ول بمسموع
،ول بمشموم ،ول بمذوق ،يعني :ل يتطيرون أبدا .وقد كان العرب في
الجاهلية يتطيرون ،والطيرة محرمة ،ل يجوز لأحد أن يتطير ل بطيور
،ول بأيام ،ول بشهور ،ول بغيرها ،والتشاؤم ،كما أنه شرك أصغر،
فهو حسرة علي النسان ،فيتألم من كل شئ يراه ،لكن لو اعتمد علي
ال وترك هذه الخرافات ،لسلم ،ولصار عيشه صافيا سعيدا.
8
أما قولهَ (( :وعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ)) فمعناه :انهم يعتمدون علي ال
وحده في كل شئ ،ل يعتقدون علي غيره ،لنه جل وعل قال في كتابه:
حسْ ُبهُ} (الطلق :من الية ،)3ومن كان ال { َو َمنْ يَتَوَ ّك ْل عَلَى الِّ فَهُوَ َ
حسبه فقد كفي كل شئ.
هذا الحديث العظيم فيه صفات من يدخل الجنة بل حساب ول عذاب.
فهذه أربع صفات :ل يسترقون ،ول يكتوون ،ول يتطيرون ،وعلي ربهم
يتوكلون .والشاهد للباب قوله (( َوعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َتوَكّلُونَ)).
فقام عكاشة بن محصن رضي ال عنه ،فقال :يا رسول ال :ادع ال
أن يجعلني منهم ،بادر إلى الخير وسبق إليه ،فقال النبي صلي ال
عليه وسلم (( :أنت منهم)) ولهذا نحن نشهد الن بأن عكاشة بن
محصن -رضي ال عنه -يدخل الجنة بل حساب ول عذاب ،لأن
الرسول عليه الصلة والسلم قال له :أنت منهم.
9
(( فقام رجل آخر فقال :ادع ال إن يجعلني منهم! قال :سبق بها
عكاشة)) فرده النبي عليه الصلة والسلم ،لكنه رد لطيف ،لم يقل
لست منهم ،بل قال (( :سبقك بها عكاشة)) .فقيل :لنه كان يعلم بأن
هذا الذي قال أدع ال أن يجعلني منهم منافق ،والمنافق ل يدخل الجنة،
فضل عن كونه يدخلها بغير حساب ول عذاب .وقال بعض العلماء :بل
قال ذلك من أجل أن ل ينفتح الباب ،فيقوم من ل يستحق أن يدخل
الجنة بغير حساب ول عذاب ،ويقول ادع ال أن يجعلني منهم .
وعلى كل حال ،فنحن ل نعلم علما يقينا بأن الرسول صلي ال عليه
وسلم لم يدع ال له إل لسبب معين ،فال أعلم ،لكننا نستفيد من هذا
فائدة ،وهو الرد الجميل من رسول ال صلي ال عليه وسلم ،لأن قوله:
(( سبقك بها عكاشة)) ل يجرحه ول يحزنه ،وسبحان ال ،صارت هذه
مثل إلى يومنا هذا ،كلما طلب النسان شيئا قد سبق به قيل :سبقك بها
عكاشة.
10
أورد بعض العلماء إشكال علي هذا الحديث ،وقال :إذا اضطر النسان
إلى القراءة ،أي إلى أن يطلب من أحد أن يقرأ عليه ( الرقية ) ،مثل
أن يصاب بعين ،أو بسحر ،أو أصيب بجن واضطر ،هل إذا ذهب يطلب
من يقرأ عليه ،يخرج من استحقاق دخول الجنة بغير حساب ول عذاب؟
فقال بعض العلماء :نعم هذا ظاهر الحديث ،وليعتمد علي ال وليتصبر
ويسأل ال العافية .وقال بعض العلماء :بل إن هذا فيمن استرقي قبل
أن يصاب ،أي :بأن قال :إقرا عليّ لكى ل تصيبني العين ،أو لكى ل
يصيبني السحر أو الجن أو الحمي ،فيكون هذا من باب طلب الرقية
لأمر متوقع ل واقع ،وكذلك الكي .فإذا قال إنسان :الذين يكوون غيرهم
هل يحرمون من هذا؟ الجواب :ل! لأن الرسول صلي ال عليه وسلم
يقول (( :ول يكتوون)) أي :ل يطلبون من يكويهم ،ولم يقل ول
يكوون ،وهوعليه الصلة والسلم قد كوي أكحل سعد بن معاذ رضي ال
عنه،
11
فسعد بن معاذ الأوسي النصاري -رضي ال عنه -أصيب يوم الخندق
في أكحله فانفجر الدم ،والكحل إذا انفجر دمه قضي علي النسان،
فكواه النبي صلي ال عليه وسلم في العرق حتى وقف الدم ،والنبي
صلي ال عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة بغير حساب ول عذاب.
فالذين يكوون محسنون ،والذين يقرؤون علي الناس محسنون ،ولكن
الكلم علي الذين يسترقون ،أي يطلبون من يقرأ عليهم ،اويكتوون،
أي :من يطلبون من يكويهم ،وال الموفق.
- 1من كتاب شرح رياض الصالحين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
- 2كتب تخريج الحديث النبوي الشريف للشيخ ناصر الدين اللباني .
– 3من مقالت الشيخ محمد حسان
gannatdonya@gmail.com
12